تشير دراسة حديثة إلى أن استخدام طلاب الجامعات لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT، يتم بطريقة أكثر أخلاقية مما يتخيله الكثيرون. فقد أظهرت النتائج أن أغلب الطلاب لا يستخدمون هذه الأدوات للتحايل أو الغش، بل لدعم تعلمهم وتحسين إنتاجيتهم. فهل حان الوقت لإعادة النظر في الأحكام المسبقة حول استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي؟

خلفية الدراسة: من أين جاءت النتائج؟

تابعنا عالواتساب

تحديثات المنح الدراسية أول بأول ضمن قناتنا على الواتساب.

تابعنا الآن..

أُجريت الدراسة في جامعة كولومبيا البريطانية – فرع أوكاناجان، وهي واحدة من الجامعات التي بدأت في فتح أبوابها لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن سياق تعليمي واضح وتحت سياسات معلنة. شارك في الاستطلاع ما يقرب من 400 طالب جامعي، كانوا مسجلين في ثلاث مواد دراسية في كلية الصحة وعلوم التمارين.

المميز في هذه الدراسة أن الدورات التعليمية الثلاث كانت تسمح باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بشرط الالتزام بسياسة أخلاقية موحدة. وهذا ما أتاح للباحثين فرصة مراقبة سلوك الطلاب وفهم دوافعهم الحقيقية.

من يستخدم الذكاء الاصطناعي فعلًا؟

رغم أن المجال مفتوح للاستخدام، فإن المفاجأة أن فقط ثلث الطلاب هم من استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT. وهذا يكسر التصور الشائع بأن أغلب الطلاب يعتمدون كليًا على هذه الأدوات.

لكن الأكثر إثارة للاهتمام أن من بين هؤلاء الطلاب، أفاد 81% بأنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي لأسباب تعليمية، مثل:

وهذا يدل على أن الذكاء الاصطناعي لم يُستخدم كأداة للغش، بل كوسيلة داعمة للتعلم.

دوافع استخدام الذكاء الاصطناعي بين الطلاب

في تحليل أعمق للدوافع، وجد الباحثون أن الدوافع الثلاثة الأساسية كانت:

  1. توفير الوقت: أكثر من نصف الطلاب الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي قالوا إنهم اعتمدوا عليه لتسريع عملية الكتابة أو لإنجاز المهام في وقت أقل.
  2. الرغبة في تحسين الدرجات: مجموعة كبيرة ذكرت أنها تأمل في تحقيق أداء أكاديمي أفضل بفضل التنظيم والدقة التي توفرها هذه الأدوات.
  3. تعزيز التعلم: حوالي 15% من الطلاب ذكروا أنهم يستخدمونه لتحقيق الدوافع الثلاثة معًا، وهذا يسلط الضوء على وعي عالٍ بكيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لصالح التعليم.

كيف يستخدم الطلاب الذكاء الاصطناعي؟

تشير النتائج إلى أن الطلاب لا يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لكتابة المهام كاملة، بل يستخدمونه بشكل انتقائي. ومن أكثر الاستخدامات شيوعًا:

هذا السلوك يدل على أن الطلاب يحافظون على دورهم الأساسي في عملية التعلم، ويستخدمون الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط.

ما هو الدور الأخلاقي هنا؟

أكدت الباحثة الرئيسية ميغان ماكنوت، أن سلوك الطلاب كان موجهًا أكثر نحو التعلم وليس فقط للحصول على درجات. وأضافت أن هذا يختلف عن التصور السائد بأن الطلاب يهتمون فقط بالنتائج دون الاهتمام بالفهم الحقيقي.

وقالت: “لقد فوجئنا بأن دوافع الطلاب كانت في الغالب مرتبطة بالتعلم، وأن استخدامهم للذكاء الاصطناعي جاء بشكل انتقائي وهادف”.

وهذا يدل على أن هناك درجة عالية من الوعي الأخلاقي لدى الطلاب، حتى في ظل توفر تقنيات يمكن إساءة استخدامها بسهولة.

الفجوة بين التصور العام والواقع

واحدة من أهم نتائج هذه الدراسة هي كشف الفجوة بين الواقع والتصور العام. ففي حين يعتقد الكثيرون أن الطلاب سيستخدمون الذكاء الاصطناعي للتحايل على النظام التعليمي، فإن الدراسة أثبتت أن أغلبهم يستخدمونه بطريقة مسؤولة ومحددة.

المبالغة في تصوير الذكاء الاصطناعي كأداة للغش قد تؤدي إلى سياسات جامعية صارمة لا تعكس الاستخدام الحقيقي. بل وقد تُفقد الطلاب فرصة استخدام هذه الأدوات لتطوير مهاراتهم.

هل الذكاء الاصطناعي متاح للجميع؟

رغم النتائج الإيجابية، أظهرت الدراسة أيضًا بعض المخاوف المتعلقة بالمساواة. فالأدوات المتقدمة من الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تكون مدفوعة، ما يعني أن الطلاب الذين لا يستطيعون دفع رسوم الاشتراك قد لا يتمكنون من استخدامها.

هذا يفتح النقاش حول:

الذكاء الاصطناعي كأداة دعم لذوي الاحتياجات

أشارت الدراسة إلى نقطة مهمة وهي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لدعم:

وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لا يساعد فقط في رفع الأداء، بل قد يكون أداة لدمج فئات مختلفة من الطلاب وتمكينهم.

توصيات الباحثين للمؤسسات التعليمية

في نهاية الدراسة، أوصى الباحثون المؤسسات التعليمية بأن تتبنى نهجًا متوازنًا في التعامل مع الذكاء الاصطناعي. ومن أهم هذه التوصيات:

نحو تعليم يتكامل مع الذكاء الاصطناعي

من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا إضافيًا في التعليم، بل أصبح جزءًا من الواقع. والسؤال الآن: كيف نُعيد صياغة التعليم ليتكامل مع هذه الأدوات؟

الجواب يبدأ بالاعتراف بأن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للتعلم، بل يمكن أن يكون أفضل حليف إذا استُخدم بطريقة صحيحة. والتحدي الأكبر أمام المؤسسات هو صياغة سياسات تعليمية مرنة، تشجع الاستخدام المسؤول، وتوفر الدعم لجميع الطلاب دون استثناء.

فمن خلال الفهم الحقيقي لطبيعة استخدام الطلاب لهذه الأدوات، يمكننا بناء مستقبل تعليمي أكثر شمولًا، وانفتاحًا، وعدالة.