في الفترة التي سبقت الانتخابات الأسترالية الأخيرة، كانت الأحزاب الرئيسية تتحدث بصوت واحد: يجب تقليص عدد الطلاب الدوليين. لكن الآن، يبدو أن الحكومة غيرت موقفها بشكل مفاجئ، معلنة عن زيادة 25,000 مقعد دراسي إضافي للطلاب الأجانب في العام القادم. فهل انتهى الجدل حول التعليم العالي؟ وما الذي تغير؟
ما التغيرات الجديدة في عدد الطلاب الدوليين؟
اعتبارًا من عام 2026، ستسمح الحكومة الأسترالية بزيادة عدد المقاعد الدراسية للطلاب الدوليين بـ 25,000 مقعد مقارنة بعام 2025، ليصل الإجمالي إلى حوالي 295,000 مقعد. هذه الزيادة جاءت بعد فشل الحكومة في تمرير خطة لفرض سقف صارم على أعداد الطلاب الجدد، والتي كانت ستحدد العدد الأقصى بـ 270,000.
بحسب وزارة التعليم، فإن هذا العدد الجديد يقل بنسبة 8% عن ذروة ما بعد كوفيد ، ولكنه يعكس نية الحكومة في السماح بنمو محسوب في هذا القطاع.
كما ستُمنح الجامعات العامة فرصة للحصول على حصة أكبر من خلال إظهار التزامها بالتعاون مع دول جنوب شرق آسيا أو من خلال توفير سكن طلابي إضافي.
لماذا تغيرت الحكومة فجأة؟
السبب الرئيسي لهذا التحول هو الضغط الذي واجهته الحكومة من الجامعات والقطاع التعليمي، والذي وصف محاولات فرض قيود صارمة بأنها سياسية بحتة. ومع اقتراب موعد الانتخابات، واجهت الحكومة انتقادات بشأن الربط بين أزمة السكن والطلاب الدوليين، مما اضطرها لتعديل موقفها.
كذلك، هناك ضغوط اقتصادية، فالتعليم الدولي يمثل أحد أهم صادرات أستراليا، وتسعى الحكومة للحفاظ على هذا المصدر المالي دون التأثير سلبًا على سمعة الجامعات الأسترالية.
ما هو تأثير هذا القرار على الجامعات الأسترالية؟
الجامعات الأسترالية رحبت بالقرار واعتبرته خطوة ذكية. حيث قالت “جامعات أستراليا” إن هذه الزيادة ستمنح المؤسسات التعليمية الاستقرار الذي تحتاجه للتخطيط للمستقبل، مع الحفاظ على جودة التعليم والخدمات.
ولكن لا تزال بعض التحديات قائمة، مثل ضرورة تقديم إثبات على مساهمتها في دعم الأهداف الوطنية، وتوفير خدمات السكن للطلاب الجدد.
ماذا عن نظام التأشيرات؟
بعد التخلي عن خطة السقف الرقمي، قامت الحكومة بتعديل نظام معالجة طلبات التأشيرة. فبدلاً من تحديد عدد التأشيرات، تم تطبيق نظام تصنيف جديد يسمى التوجيه الوزاري رقم 111 (MD111)، الذي يمنح أولوية في معالجة الطلبات للجامعات التي تُظهر جودة واستقرارًا، وتُعطي أهمية للدول ذات الأولوية الاستراتيجية مثل جزر المحيط الهادئ وتيمور الشرقية.
من المتوقع أن يتم استبدال هذا التوجيه بآخر مُحدث لاحقًا في عام 2025، بحيث يتماشى مع خطة العام 2026.
هل يُعتبر هذا حلًا طويل المدى؟
الحكومة الأسترالية لم تتخلَ عن نيتها في تنظيم قطاع التعليم الدولي بشكل صارم. ابتداءً من 2027، سيتم إنشاء مفوضية التعليم العالي الأسترالية، والتي ستكون الجهة المسؤولة عن إدارة نمو هذا القطاع.
أما بالنسبة للمؤسسات التعليمية المهنية (VET)، فسيستمر الاعتماد على نظام التأشيرات وتقييم جودة التعليم وتوزيع الطلاب لضبط عدد المقبولين من الطلاب الدوليين.
كيف استقبل الطلاب الدوليون هذا القرار؟
رغم الترحيب العام بالزيادة الجديدة، إلا أن بعض ممثلي الطلاب الدوليين عبروا عن قلقهم من استمرار تجاهل قضايا الرفاه والدعم النفسي والاجتماعي.
وأشار ممثل طلاب الدراسات العليا الدوليين، ويهونغ ليانغ، إلى أن تكاليف التأشيرات ارتفعت بشكل كبير، حيث قفزت من 710 دولار إلى 2000 دولار منذ عام 2023، دون أن يكون هناك مقابل واضح في تحسين الخدمات.
وأضاف: “ما زال الطلاب يشعرون بأنهم يُعاملون كمصدر دخل فقط، وليس كجزء حيوي من المجتمع الأكاديمي الأسترالي.”
ما موقف المعارضة من هذا التغيير؟
بعد أن دعت سابقًا إلى خفض عدد الطلاب الدوليين بـ 80,000 مقعد، عادت المعارضة لتعديل موقفها. حيث وعدت باتباع نهج أكثر “حساسية” خلال هذا الدور البرلماني، مؤكدة أن الجامعات الإقليمية والمزودين المتخصصين يجب أن يُعاملوا بطريقة تراعي خصوصيتهم.
وقال المتحدث باسم التعليم في المعارضة، جوناثون دونيام: “يجب أن تكون هناك شفافية حول كيفية تحديد هذه الأرقام، لضمان ألا تتضرر أي جهة تعليمية.”
هل انتهت أزمة التعليم الدولي في أستراليا؟
رغم الخطوات الأخيرة، لا يزال الجدل قائمًا. فقد اعتبرت نائبة زعيمة حزب الخضر، مهرين فاروقي، أن الطلاب الدوليين لا يزالون يُستخدمون كورقة سياسية.
وأكدت أن ربطهم بأزمة السكن كان تصرفًا غير مسؤول، وأضر بسمعة أستراليا عالميًا. وأضافت: “يجب أن نتوقف عن التعامل مع الطلاب الدوليين كأرقام، ونبدأ بالتفكير في حلول واقعية طويلة الأمد.”
ما الذي ينتظر الطلاب الدوليين في المستقبل؟
من الواضح أن الحكومة الأسترالية تتجه نحو إدارة مدروسة ومُنظمة للقطاع التعليمي الدولي، مع الحفاظ على جودته، وتوفير فرص أكبر للجامعات التي تثبت التزامها بالتطوير والشراكات الدولية.
لكن في المقابل، لا تزال هناك تحديات تواجه الطلاب، خاصة من ناحية التكاليف المرتفعة، والسكن، والدعم النفسي والاجتماعي.
إذا كنت طالبًا دوليًا تفكر في الدراسة في أستراليا، فالفرص موجودة، لكن من المهم متابعة التطورات أولاً بأول، وفهم السياسات الجديدة قبل التقديم.